صيد اللؤلؤ وتطور طرقه
تعتبر صناعة اللؤلؤ وصيده، من أقدم الصناعات التي عرفتها البحرين، إلا أنه لا يوجد عندنا توثيق مكتوب لبدايتها، هناك ذكر لما يسمى «عين السمك» في الوثائق التي تخص التجارة في دلمون، البعض يرجح أن «عين السمك» هو اللؤلؤ إلا أنه ليس هناك اتفاق على ذلك فهناك من لا يرجح كون «عين السمك» هي اللؤلؤ، وعليه لن نعتمد على تلك الوثائق وإنما سنعتمد على الآثار الأركيولوجية فقد عثر على لؤلؤة مثقوبة في منطقة أثرية في الكويت تعود للألف الخامس قبل الميلاد أي قبل 7000 سنة. وتم العثور على لآلئ أخرى في قبور ومناطق أثرية في
البحرين وشرق الجزيرة العربية تعود لفترات تاريخية قديمة تبدأ من الألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن السادس عشر الميلادي، أما التوثيق المكتوب عن صيد اللؤلؤ على سواحل الخليج العربي فتبدأ من القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن العشرين. هذا الكم الكثير من المعلومات والآثار كلها تؤكد على قدم صناعة الغوص.
وتعرف مغاصات اللؤلؤ في الخليج باسم الهيرات ومفردها هير وهي تكثر حول البحرين وفي الأحساء والكويت وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهناك سفن خاصة لرحلات الغوص، كما أن مهنة الغوص ظلت حتى منتصف القرن العشرين المهنة الأولى والمفضلة عند عرب الخليج، ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا: إنها مهنة قاسية وشاقة بل لا يعدلها أي عمل آخر عند أهل الخليج. يقول لوبون: «إن بلاد البحرين أشهر مغاص اللؤلؤ في العالم» ويقول ياقوت الحموي: «إن فيها مغاصا مفضلا على غيره»، والخضري يؤكد شهرة البحرين منذ القدم باللؤلؤ الطبيعي الممتاز، ويذكر المسعودي «إن في بحر العرب مغاصات الدر والياقوت والعقيق»، وكان الغوص من أهم الموارد الاقتصادية وكان تجاره يحصلون على أرباح خيالية ويشكلون الطبقة الرأسمالية، واستخدم اللؤلؤ حليّا للمرأة وزينة لها.
محاور تطور صناعة الغوص
عند الحديث عن بداية الغوص في البحر وتطوره فإنه يتوجب الحديث عن محورين منفصلين، الأول وهو يخص نشأة طرق الغوص تحت الماء وكيف تطورت، أما المحور الثاني فهو تطور القوانين والتشريعات التي تنظم عملية الغوص، فعملية الغوص سواء بحثا عن اللؤلؤ أو الإسفنج أو غيرها غدت عملية تجارية مربحة، وبتوسع تلك التجارة أصبح لزوما تنظيم العملية بحزمة من القوانين والتشريعات. في هذه الحلقة سنبدأ بنقاش عملية الغوص نفسها وكيف تطورت.
تطور عملية الغوص
كما سبق أن أشرنا إلى أن عملية استخراج اللؤلؤ واستعماله بدأت منذ أكثر من سبعة آلاف سنة على سواحل الخليج العربي، إلا أن المحللين يرون أنه لم تكن هناك عملية غوص بل كانت هناك عملية جمع للمحار من على السواحل ويمكننا أن نسمي هذه المرحلة من التطور بمرحلة ما قبل الغوص، وبعد ذلك بسنين طويلة بدأت عملية الغوص بحثا عن محار اللؤلؤ في المناطق الأكثر عمقا.
أولا: مرحلة ما قبل الغوص
يرى المحللون أن عملية استخراج اللؤلؤ التي بدأت قبل الألف الخامس قبل الميلاد على سواحل الخليج لم تكن تتضمن أي عمليات غوص، بل كان محار اللؤلؤ يجمع من على السواحل، لم تكن السواحل كما هي اليوم، فلم يكن هناك دفان ولم تكن مسورة بأسوار ولم يكن الساحل من ضمن الأملاك الخاصة، ولا يوجد من يستنزف كل خيراته، بل كانت سواحل بكر وفي مثل هذه السواحل يكثر محار اللؤلؤ بصورة كبيرة بحيث يمكن أن يجمع على أعماق جدا بسيطة فهو قريب جدا من سطح الماء ويرى بالعين، إن هذه الظاهرة ليست بالغريبة فحتى فترات قريبة كانت هناك مناطق على سواحل البحرين يكثر فيها محار اللؤلؤ، وعلى سواحل أخرى في الخليج العربي يوجد العديد من المناطق التي لازال يكثر بها. وطريقة جمع محار اللؤلؤ باليد ليست بالغريبة في الخليج العربي، فهناك نوع من الغوص يعرف بغوص المجانة (أو لمينة) وهو عبارة عن الذهاب لسواحل إحدى الجزر وجمع المحار باليد دون غوص وذلك لكثرة تواجد محار اللؤلؤ فيها، وقد تم العثور على لآلئ ثمينة في مثل هذه المناطق.
ثانيا: مرحلة الغوص
لا نعلم بالتحديد متى بدأت عملية الغوص لاستخراج محار اللؤلؤ من قاع البحر، إلا أن عملية الغوص تم وصفها في العديد من الوثائق على مر العصور منذ نهاية الألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن العشرين، من خلال تلك التوصيفات العديدة لعملية الغوص يمكننا أن نميز خمس أفكار محورية في عملية الغوص تم نقاشها هي: الغوص الفردي باستخدام الحجر، استخدام الزيت لإضاءة قاع البحر، نزع الأسنان الأمامية للغواص، ابتكار آلات مختلفة للتنفس تحت الماء، وأخيرا طريقة الغوص بوجود الغواص (الغيص) ومساعده (السيب)، ولا يخفى أن بعض تلك الأفكار أقرب للأسطورة من الحقيقة. سنتتبع تلك الأفكار المحورية وبدايتها وتطورها ونرى أي الأفكار بقت مستخدمة وأيها انقرض.
1 - الغوص المفرد باستخدام الحجر
تقدم ملحمة جلجامش أقدم وصف لعملية ربط حجر في القدم ليساعد الغواص في النزول للقاع، فقد جاء في نهاية اللوح الحادي عشر مايلي:
271 - فلما سمع جلجامش هذا فتح (القناة).
272 - ربط إلى قدميه حجرا ثقيلا،
273 - جذبه غائصا إلى الأبسو هناك رأى النبته.
274 - اجتثها، وخزت يديه.
275 - حل عن قدميه الحجر الثقيل،
276 - والـ … … رمته على الشاطئ.
وعلى مر آلاف السنين بقيت الفكرة ذاتها مستخدمة، وفي المراجع القديمة لوصف هذه الطريقة تأكيد على استخدام حجر لونه أسود فهو ما تهرب منه المخلوقات البحرية، وتجنب استخدام حجر ذي لون أبيض فربما التهمته المخلوقات البحرية الكبيرة وبذلك تشد الغوص للأسفل.
2 - استخدام الزيت
أقدم وصف لاستخدام الزيت ورد في المراجع اليونانية قبل الميلاد وذلك في وصف الغاصة الذين يغوصون لاستخراج الإسفنج من قاع البحار. ومن أجمل تلك الوصوف ما رواه الشاعر اليوناني أوبيان في القرن الثاني بعد الميلاد ويمكن تلخيص أهم النقاط في وصف أوبيان كالتالي:
«يربط الغواص حبلا مشدودا إلى ثقل في وسطه ويملأ فمه بالزيت وكذلك يضع الزيت في أذنه (قناته السمعية) ويغمس قطعا من الإسفنج في الزيت ويضعها فوق أذنه ثم يأخذ نفسا عميقا وبعدها يلقي بنفسه في الماء فيشده الثقل إلى أسفل. وعندما يصل للقاع ينفث الغواص الزيت من فمه، فيطفو الزيت للسطح فيهدأ من تموجات السطح ويضيء القاع كالشعلة تضيء الظلام ويسمح للغواص أن يرى حتى في منتصف الليل».
لقد انتقلت هذه الأفكار للغواصين في الخليج العربي منذ قديم الزمان، حيث كان الغواصون في الخليج يستخدمون الزيت في غرضين. الأول للحماية: بأن يضع الزيت في أذنه وكذلك يدهن الغواص جسمه بالزيت لكي لا يؤثر به ماء البحر المالح فيشققه، قال المخبل السعدي (توفي العام 633م):
كَعَقيلَةِ الدُرِّ اِستَضاءَ بِها مِحرابُ عَرشِ عَزيزِها العَجمُ
أَغلى بِها ثَمَنا وَجاءَ بِها شُختُ العِظامِ كَأَنَّها سَهمُ
بِلَبانِهِ زَيتٌ وَأَخرَجَها مِن ذي غَوارِبَ وَسَطُهُ اللَخمُ
اللبان هو الصدر. المقصود مسح الجسد بالزيت. واللخم هو سمك القرش على ما جاء وصفه في المعاجم وغالبية المراجع القديمة وليس هو اللخمة المعروفة عندنا بهذا الاسم. فاللخمة كانت تعرف عند العرب باسم الشفنين البحري.
أما الغرض الثاني فقد كانت الغاصة أيضا تمسك بالزيت في فمها فإذا غاص قذف به من فمه ليضيء له المكان. وقيل إذا وجدت دواب البحر رائحة الزيت هربت. وقيل أيضا ليكون أصبر للغواص تحت الماء، وفي ذلك يقول المسيب بن علس (توفي العام 575م):
أَشغى يَمُجُّ الزَيتَ مُلتَمِسٌ ظَمآنُ مُلتَهِبٌ مِنَ الفَقرِ
و يقول القطامي (توفي العام 747م)
غوَّاصُ ماءٍ يمجُّ الزيتَ منغمسا اذا الغُمورَةُ كانت فَوقَه قِيَما
إن فكرة استخدام الزيت لإضاءة قاع البحر استمرت حتى القرن العشرين واختزلت في طريقة من الغوص عرفت بغوص «التنور» أو «الرواسي». وهذه طريقة تستخدمها السفن الصغيرة قليلة العدد ويكون ذلك بالقرب من السواحل البحرية حيث لا يزيد عمق الماء عن أربع قامات وهي طريقة متقدمة قليلا عن غوص المجانة. ويتم التنور عن طريق صب دهن السمك (الصل) ليقضي على عقد الماء التي تمنع الرؤيا نتيجة تموجه فيظهر من خلال الدهن قاع البحر واضحا وكانوا يتبعون هذا الدهن الطافي على سطح البحر مع حركة التيار وكلما رأوا محارا في القاع غاصوا له وجمعوه. ولا يعتمد الغواص هنا على الحجر بل يغوص دون مساعدة وتسمى هذه الطريقة من الغوص «الرواسي». وقد استبدل الدهن بعد ذلك بما يسمى «الجامه» (أي لوح زجاجي) وهي عبارة عن صندوق مربع طول ضلعه قرابة النصف متر أو أكثر وارتفاعه قرابة القدم وهو مفتوح من أحد جوانبه وقاعدته من زجاج شفاف.
3 - نزع الرباعيتين
الرباعيتان هي القواطع الأربعة التي توجد في مقدمة الفم. ويقال إن الغواصين ينزعونها لظنهم أن ذلك يجعلهم يمكثون فترات أطول تحت الماء وفي ذلك قال المسيب بن علس
فَاِنصَبَّ أَسقَفُ رَأسُهُ لَبِدٌ نُزِعَت رَباعيتاهُ لِلصَبرِ
وأسقف أي طويل القامة في انحناء. ولا نعلم بالتحديد أصل هذا الزعم والربط بين نزع القواطع وإطالة البقاء تحت الماء.
4 - استخدام آلة للغوص
منذ آلاف السنين راود الإنسان حلم الغوص في البحر بآلة يتنفس بها وتجعله يبقى مدة طويلة تحت الماء، وقد كانت أولى تلك الآلات ما ظهرت في الرسوم الآشورية حيث صورت تلك الرسوم استخدام «القرب» التي تصنع من جلد الماشية حيث تنفخ ويغوص بها الرجل تحت الماء ويبقى يتنفس من هواء القربة. ومنذ القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده بدأت تظهر ادعاءات عن وجود آلة للغوص حتى في أوروبا، حتى زعم أحد الفرنسيين أن الإسكندر المقدوني استخدم آلة للغوص تحت الماء في القرن الرابع قبل الميلادي، هذه الآلة من ضمن مجموعات آلات عرفت بالأجراس البحرية بسبب شكلها العريض من الأسفل والضيق من أعلى، وهي كالحجرة التي يدخلها الرجل وينزل تحت الماء. هذه الآلة وجدت طريقها أيضا عند الكتاب العرب الذين زعموا بوجودها. وآلة أخرى ذكرها البيروني (المتوفى 1048م) في كتابه «الجماهر في معرفة الجواهر» جاء في وصفها التالي:
«واخبرني أحد أهل بغداد أن الغواصين قد استحدثوا في هذه الأيام للغوص طريقة زالت بها مشقة إمساك النفس وتمكنوا من التردد في البحر من الضحوة إلى العصر وما شاؤا وبحسب محبة المكري إياهم وتوفره عليهم وهى آلة من جلود يدخلونها إلى أسفل صدورهم ثم يشدونها عند الشراسيف شدا وثيقا ثم يغوصون ويتنفسون فيها من الهواء الذي داخلها ولابد في هذا من ثقل عظيم يجذبه مع ذلك الهواء إلى أسفل ويمسكه في القرار واصرف منه أن يوصل بأعالي تلك الآلة بإزاء الهامة بربخ من جلد على هيئة الكم مستوثق من دروزه بالشمع والقير وطوله بقدر عمق ما يغوص فيه ويوصل رأس البربخ بجفنة واسعة من ثقبة في أسفلها ويعلق في حافتها زق أو زقاق منفوخة يدوم بها طفوها فيجرى نفسه في تجويف البربخ جذبا وإرسالا ما شاء مدة اللبث في الماء ولو أياما، ويكون الثقل الراسب به أقل مقدارا لحصول الطريق للهواء ينحصر به واللّه أعلم».
تطور طرق الغوص (2)
الحلقة الثانية
في الحلقة السابقة تناولنا أفكارا محورية تناولها الكتاب في القديم، واستمر بعض منها بصورة متطورة، بقي علينا أن نصف الصورة التي بقت متعارفا عليها حتى المنتصف القرن السابق وهي وجود الغائص (الغيص) ومساعده (السيب).
5 - وجود الغائص ومساعده:
أقدم ذكرا موثقا لطريقة الغوص بوجود غائص ومساعد له يمسكه بحبل حتى يخرجه من قاع البحر. كان عند يحيى بن ماسويه (المتوفى عام 857م) حيث ذكر في باب صفة الغواصين والغاصة:
«الغاصة يركب منهم السفينة ما بين الستة نفر إلى اثني عشر رجلا نصفهم غاصة، ونصفهم يمسكون الحبال على الغاصة، كل رجل لرجل، وإنما يستأجرهم التاجر مشاهرة، وفي كل سفينة أمين من قبل التاجر، ولهم حبال من كتان طولها ما بين العشرين ذراعا إلى الخمسين».
ويلاحظ أن ابن ماسويه حدد ثلاثة من العاملون على السفينة وهم الغاصة (الغيص) ومساعديهم (أي السيوب) وأمين من قبل التاجر. وهذه الطريقة استمرت حتى نهاية صنعة الغوص في القرن المنصرم، إلا أنه بسبب وجود السفن الكبيرة وغزو المناطق العميقة من البحار كان لابد من حدوث تطوير لهذا النظام، فكثر أفراد طاقم السفينة وكثرت الأدوات التي يستخدمها الغاصة، وسنلخص فيما يلي تفاصيل الغوص منذ القرن التاسع عشر حتى نهايته في القرن العشرين.
العاملون في مهنة الغوص
يمكن تقسيم الأفراد العاملين في مهنة صيد اللؤلؤ إلى نصفين: الممولون والمشتغلون. فالصنف الأول يوفر الأموال اللازمة لإعاشة المشتغلين عندما يذهبون إلى البحر ويتركون عوائلهم خلفهم، بينما يعمل الصنف الثاني لتوفير الدخل اللازم لتسديد القروض المقدمة من الممولين وتحقيق أرباح أخرى. ويسمى الممول بـ «المسقم» أو «التاجر» وهو الذي يدفع الأموال للنواخذة (أو أصحاب السفينة في حالة كونهم غير نواخذة)، فصاحب السفينة قد تكون لديه الأموال اللازمة وقد يقترض هذه الأموال من المسقم بفوائد تترواح من 10 في المئة - 25 في المئة. ويسمى المشتغلون فيها عموما بـ»الغواويص» ومفردها «غوّاص» فكما هو معروف فإن العملية كلها تسمى «الغوص» إلا أن هذه تسمية عامة، فإذا أردنا التخصيص فهناك عدة مسميات لطاقم سفينة الغوص وهم كالتالي:
1 - النوخذة : وهو الربان المسئول عن السفينة.
2 - الجعدي: الشخص الذي يحل محل النوخذة في السفينة.
3 - المجدمي: رئيس البحارة، وهو المسئول عن العمل في السفينة، وجميع السفن الكبيرة يكون فيها المجدمي.
4 - النهام: المطرب البحري وغالبا ما يكون موجودا في السفن الكبيرة.
5 - الغيص: الشخص الذي يغوص في البحر لجمع المحار.
6 - السيب: هو الشخص الذي يسحب الغيص من قاع البحر.
7 - الجنان: وهو الشخص المنوط به تنظيم حبل «الخراب» وطيه في المكان المخصص له في «الخن» وهي عملية شاقة تحتاج إلى دراية وخبرة.
8 - راعي الشيرة: وهو أحد الذين لهم دراية وخبرة وقوة تحمل في تخليص المرساة من القاع في حالة وجود ما يعيقها من أحجار وشعب مرجانية وخلافه.
9 - الرضيف: هم الصبيان الذين يقومون بالأعمال الخفيفة، وللتدرب على العمل.
10 - التباب: صبي صغير يسمونه يخدم من في السفينة، ويتدرب على العمل في البحر.
11 - العزال: وهو غيص يتفق مع أحد السيوب في البر على أن يركب الغوص مع أحد النواخذه بحيث يعزل ما يحصلان عليه من محار عن باقي المحار الذي يجمعه البحارة.
أدوات الغواص
قبل وصف عملية الغوص يتوجب علينا إعطاء تعريفات لأدوات الغواص وهي كالتالي:
1 - الفطام: قطعة صغيرة تصنع من عظام السلاحف طولها نحو إصبع، وللفطام فتحة يضعها الغائص على أنفه لمنع تسرب الهواء ودخول الماء.
2 - الديين: وعاء من الحبال الرفيعة كهيئة الغربال وله من الأعلى قوس من الخشب يضع الغائص المحار بداخله.
3 - الخبط: وعاء صغير من الجلد يوضع على أطراف الأصابع، يضعه الغائص أحيانا لحفظ أصابعه من شر الجروح التي تحدث له من بعض أنواع المحار.
4 - الحجر: قطعة من الرصاص تساعد الغائص على النزول إلى قاع البحر بواسطة ثقلها.
5 - الشمشول: هو سروال قصير أسود اللون يلبسه الغائص، لمساعدته على حرية الحركة والسباحة.
6 - لباس الغوص: من القماش الخفيف أسود اللون يشبه البنطلون، وقميصه له أكمام طويلة يلبسه الغائص ليتجنب شر «الدول» أي قنديل البحر.
7 - الأيدة: حبل طويل ليسحب السيب الغائض من قاع البحر بواسطته وطوله 72 مترا إلى 81 مترا.
8 - الزيبل: حبل طويل يسحب السيب بواسطته الحجر من قاع البحر بعد وصول الغائص إلى قاع البحر وطوله نحو 36 مترا.
وصف عملية الغوص
في الصباح الباكر وبعد طلوع الشمس يبدأ الغواصون العمل، و يكون الغواص لابسا «الشمشول» أو مؤتزرا بالإزار في حالة ما إذا كان البحر خاليا من «الدول» الذي يحتك بجسم الغائص وتسبب له التهابات مؤلمة، إما إذا كان «الدول» منتشر في «الهير» المراد الغوص فيه فإن الغاصة يقومون بإرتداء لباس الغوص المذكور آنفا. بعد أن يلبس الغائص ثياب الغوص ينزل إلى البحر ويمسك بحبل قصير اسمه (القلطة) مربوط بأحد مجاديف السفينة ويضع الديين على رقبته ويضع الفطام على أنفه ثم يضع الزيبل (وهو الحبل الذي يربط به الحجر لإنزال الغائص إلى قاع البحر) في رجله، وكذلك الأيدة حيث يضعه الغائص ليجره السيب بواسطته وهنا يكون الغائص جاهزا للغوص.
عندما يصل الغيص إلى قاع البحر يسحب السيب الزيبل حيث لم يعد الغيص بحاجة إليه، ويأخذ الغيص في اقتلاع المحار بيديه وتجميعه في الديين، وقبل أن ينتهي نفس الغيص يحرك حبل الأيدة ويكون السيب آنذاك متيقظا فيجره حالا بأقصى قوته، ويضع الغيص الديين في يده ويمسك حبل الأيدة في اليد الأخرى حتى يخرج إلى سطح البحر قرب السفينة.
نظام القحمات
يتبع في الغوص نظام الدور للغاصة، ويسمى هذا النظام بنظام «القحمة» إذ إن الغاصة يقسّمون إلى مجموعات وكل مجموعة تغطس عدة غطسات، مجموع عدة الغطسات هذه يسمى (قحمة أو أقحمة) وكل غطسة من تلك الغطسات تسمى (تبة)، وفي الغوص الكبير عادة ما تكون القحمة بها عشر تبات. وما بين (تبة) وأخرى يستريح الغيص نحو خمس دقائق ثم يعود ثانية للغوص وهكذا حتى تنتهي نوبته (قحمته) بأن يغوص عشر مرات، والمرة الواحدة من الغوص تسمي (تبة). هكذا كان عمل الغيص طوال اليوم حتى قبل غروب الشمس بقليل عندئذ ينتهي العمل الشاق المتعب، والمحفوف بالمخاطر ويظل يعمل في الغوص مدة الغوص كله.
البحرين وشرق الجزيرة العربية تعود لفترات تاريخية قديمة تبدأ من الألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن السادس عشر الميلادي، أما التوثيق المكتوب عن صيد اللؤلؤ على سواحل الخليج العربي فتبدأ من القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن العشرين. هذا الكم الكثير من المعلومات والآثار كلها تؤكد على قدم صناعة الغوص.
وتعرف مغاصات اللؤلؤ في الخليج باسم الهيرات ومفردها هير وهي تكثر حول البحرين وفي الأحساء والكويت وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهناك سفن خاصة لرحلات الغوص، كما أن مهنة الغوص ظلت حتى منتصف القرن العشرين المهنة الأولى والمفضلة عند عرب الخليج، ولا نجافي الحقيقة إذا قلنا: إنها مهنة قاسية وشاقة بل لا يعدلها أي عمل آخر عند أهل الخليج. يقول لوبون: «إن بلاد البحرين أشهر مغاص اللؤلؤ في العالم» ويقول ياقوت الحموي: «إن فيها مغاصا مفضلا على غيره»، والخضري يؤكد شهرة البحرين منذ القدم باللؤلؤ الطبيعي الممتاز، ويذكر المسعودي «إن في بحر العرب مغاصات الدر والياقوت والعقيق»، وكان الغوص من أهم الموارد الاقتصادية وكان تجاره يحصلون على أرباح خيالية ويشكلون الطبقة الرأسمالية، واستخدم اللؤلؤ حليّا للمرأة وزينة لها.
محاور تطور صناعة الغوص
عند الحديث عن بداية الغوص في البحر وتطوره فإنه يتوجب الحديث عن محورين منفصلين، الأول وهو يخص نشأة طرق الغوص تحت الماء وكيف تطورت، أما المحور الثاني فهو تطور القوانين والتشريعات التي تنظم عملية الغوص، فعملية الغوص سواء بحثا عن اللؤلؤ أو الإسفنج أو غيرها غدت عملية تجارية مربحة، وبتوسع تلك التجارة أصبح لزوما تنظيم العملية بحزمة من القوانين والتشريعات. في هذه الحلقة سنبدأ بنقاش عملية الغوص نفسها وكيف تطورت.
تطور عملية الغوص
كما سبق أن أشرنا إلى أن عملية استخراج اللؤلؤ واستعماله بدأت منذ أكثر من سبعة آلاف سنة على سواحل الخليج العربي، إلا أن المحللين يرون أنه لم تكن هناك عملية غوص بل كانت هناك عملية جمع للمحار من على السواحل ويمكننا أن نسمي هذه المرحلة من التطور بمرحلة ما قبل الغوص، وبعد ذلك بسنين طويلة بدأت عملية الغوص بحثا عن محار اللؤلؤ في المناطق الأكثر عمقا.
أولا: مرحلة ما قبل الغوص
يرى المحللون أن عملية استخراج اللؤلؤ التي بدأت قبل الألف الخامس قبل الميلاد على سواحل الخليج لم تكن تتضمن أي عمليات غوص، بل كان محار اللؤلؤ يجمع من على السواحل، لم تكن السواحل كما هي اليوم، فلم يكن هناك دفان ولم تكن مسورة بأسوار ولم يكن الساحل من ضمن الأملاك الخاصة، ولا يوجد من يستنزف كل خيراته، بل كانت سواحل بكر وفي مثل هذه السواحل يكثر محار اللؤلؤ بصورة كبيرة بحيث يمكن أن يجمع على أعماق جدا بسيطة فهو قريب جدا من سطح الماء ويرى بالعين، إن هذه الظاهرة ليست بالغريبة فحتى فترات قريبة كانت هناك مناطق على سواحل البحرين يكثر فيها محار اللؤلؤ، وعلى سواحل أخرى في الخليج العربي يوجد العديد من المناطق التي لازال يكثر بها. وطريقة جمع محار اللؤلؤ باليد ليست بالغريبة في الخليج العربي، فهناك نوع من الغوص يعرف بغوص المجانة (أو لمينة) وهو عبارة عن الذهاب لسواحل إحدى الجزر وجمع المحار باليد دون غوص وذلك لكثرة تواجد محار اللؤلؤ فيها، وقد تم العثور على لآلئ ثمينة في مثل هذه المناطق.
ثانيا: مرحلة الغوص
لا نعلم بالتحديد متى بدأت عملية الغوص لاستخراج محار اللؤلؤ من قاع البحر، إلا أن عملية الغوص تم وصفها في العديد من الوثائق على مر العصور منذ نهاية الألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن العشرين، من خلال تلك التوصيفات العديدة لعملية الغوص يمكننا أن نميز خمس أفكار محورية في عملية الغوص تم نقاشها هي: الغوص الفردي باستخدام الحجر، استخدام الزيت لإضاءة قاع البحر، نزع الأسنان الأمامية للغواص، ابتكار آلات مختلفة للتنفس تحت الماء، وأخيرا طريقة الغوص بوجود الغواص (الغيص) ومساعده (السيب)، ولا يخفى أن بعض تلك الأفكار أقرب للأسطورة من الحقيقة. سنتتبع تلك الأفكار المحورية وبدايتها وتطورها ونرى أي الأفكار بقت مستخدمة وأيها انقرض.
1 - الغوص المفرد باستخدام الحجر
تقدم ملحمة جلجامش أقدم وصف لعملية ربط حجر في القدم ليساعد الغواص في النزول للقاع، فقد جاء في نهاية اللوح الحادي عشر مايلي:
271 - فلما سمع جلجامش هذا فتح (القناة).
272 - ربط إلى قدميه حجرا ثقيلا،
273 - جذبه غائصا إلى الأبسو هناك رأى النبته.
274 - اجتثها، وخزت يديه.
275 - حل عن قدميه الحجر الثقيل،
276 - والـ … … رمته على الشاطئ.
وعلى مر آلاف السنين بقيت الفكرة ذاتها مستخدمة، وفي المراجع القديمة لوصف هذه الطريقة تأكيد على استخدام حجر لونه أسود فهو ما تهرب منه المخلوقات البحرية، وتجنب استخدام حجر ذي لون أبيض فربما التهمته المخلوقات البحرية الكبيرة وبذلك تشد الغوص للأسفل.
2 - استخدام الزيت
أقدم وصف لاستخدام الزيت ورد في المراجع اليونانية قبل الميلاد وذلك في وصف الغاصة الذين يغوصون لاستخراج الإسفنج من قاع البحار. ومن أجمل تلك الوصوف ما رواه الشاعر اليوناني أوبيان في القرن الثاني بعد الميلاد ويمكن تلخيص أهم النقاط في وصف أوبيان كالتالي:
«يربط الغواص حبلا مشدودا إلى ثقل في وسطه ويملأ فمه بالزيت وكذلك يضع الزيت في أذنه (قناته السمعية) ويغمس قطعا من الإسفنج في الزيت ويضعها فوق أذنه ثم يأخذ نفسا عميقا وبعدها يلقي بنفسه في الماء فيشده الثقل إلى أسفل. وعندما يصل للقاع ينفث الغواص الزيت من فمه، فيطفو الزيت للسطح فيهدأ من تموجات السطح ويضيء القاع كالشعلة تضيء الظلام ويسمح للغواص أن يرى حتى في منتصف الليل».
لقد انتقلت هذه الأفكار للغواصين في الخليج العربي منذ قديم الزمان، حيث كان الغواصون في الخليج يستخدمون الزيت في غرضين. الأول للحماية: بأن يضع الزيت في أذنه وكذلك يدهن الغواص جسمه بالزيت لكي لا يؤثر به ماء البحر المالح فيشققه، قال المخبل السعدي (توفي العام 633م):
كَعَقيلَةِ الدُرِّ اِستَضاءَ بِها مِحرابُ عَرشِ عَزيزِها العَجمُ
أَغلى بِها ثَمَنا وَجاءَ بِها شُختُ العِظامِ كَأَنَّها سَهمُ
بِلَبانِهِ زَيتٌ وَأَخرَجَها مِن ذي غَوارِبَ وَسَطُهُ اللَخمُ
اللبان هو الصدر. المقصود مسح الجسد بالزيت. واللخم هو سمك القرش على ما جاء وصفه في المعاجم وغالبية المراجع القديمة وليس هو اللخمة المعروفة عندنا بهذا الاسم. فاللخمة كانت تعرف عند العرب باسم الشفنين البحري.
أما الغرض الثاني فقد كانت الغاصة أيضا تمسك بالزيت في فمها فإذا غاص قذف به من فمه ليضيء له المكان. وقيل إذا وجدت دواب البحر رائحة الزيت هربت. وقيل أيضا ليكون أصبر للغواص تحت الماء، وفي ذلك يقول المسيب بن علس (توفي العام 575م):
أَشغى يَمُجُّ الزَيتَ مُلتَمِسٌ ظَمآنُ مُلتَهِبٌ مِنَ الفَقرِ
و يقول القطامي (توفي العام 747م)
غوَّاصُ ماءٍ يمجُّ الزيتَ منغمسا اذا الغُمورَةُ كانت فَوقَه قِيَما
إن فكرة استخدام الزيت لإضاءة قاع البحر استمرت حتى القرن العشرين واختزلت في طريقة من الغوص عرفت بغوص «التنور» أو «الرواسي». وهذه طريقة تستخدمها السفن الصغيرة قليلة العدد ويكون ذلك بالقرب من السواحل البحرية حيث لا يزيد عمق الماء عن أربع قامات وهي طريقة متقدمة قليلا عن غوص المجانة. ويتم التنور عن طريق صب دهن السمك (الصل) ليقضي على عقد الماء التي تمنع الرؤيا نتيجة تموجه فيظهر من خلال الدهن قاع البحر واضحا وكانوا يتبعون هذا الدهن الطافي على سطح البحر مع حركة التيار وكلما رأوا محارا في القاع غاصوا له وجمعوه. ولا يعتمد الغواص هنا على الحجر بل يغوص دون مساعدة وتسمى هذه الطريقة من الغوص «الرواسي». وقد استبدل الدهن بعد ذلك بما يسمى «الجامه» (أي لوح زجاجي) وهي عبارة عن صندوق مربع طول ضلعه قرابة النصف متر أو أكثر وارتفاعه قرابة القدم وهو مفتوح من أحد جوانبه وقاعدته من زجاج شفاف.
3 - نزع الرباعيتين
الرباعيتان هي القواطع الأربعة التي توجد في مقدمة الفم. ويقال إن الغواصين ينزعونها لظنهم أن ذلك يجعلهم يمكثون فترات أطول تحت الماء وفي ذلك قال المسيب بن علس
فَاِنصَبَّ أَسقَفُ رَأسُهُ لَبِدٌ نُزِعَت رَباعيتاهُ لِلصَبرِ
وأسقف أي طويل القامة في انحناء. ولا نعلم بالتحديد أصل هذا الزعم والربط بين نزع القواطع وإطالة البقاء تحت الماء.
4 - استخدام آلة للغوص
منذ آلاف السنين راود الإنسان حلم الغوص في البحر بآلة يتنفس بها وتجعله يبقى مدة طويلة تحت الماء، وقد كانت أولى تلك الآلات ما ظهرت في الرسوم الآشورية حيث صورت تلك الرسوم استخدام «القرب» التي تصنع من جلد الماشية حيث تنفخ ويغوص بها الرجل تحت الماء ويبقى يتنفس من هواء القربة. ومنذ القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده بدأت تظهر ادعاءات عن وجود آلة للغوص حتى في أوروبا، حتى زعم أحد الفرنسيين أن الإسكندر المقدوني استخدم آلة للغوص تحت الماء في القرن الرابع قبل الميلادي، هذه الآلة من ضمن مجموعات آلات عرفت بالأجراس البحرية بسبب شكلها العريض من الأسفل والضيق من أعلى، وهي كالحجرة التي يدخلها الرجل وينزل تحت الماء. هذه الآلة وجدت طريقها أيضا عند الكتاب العرب الذين زعموا بوجودها. وآلة أخرى ذكرها البيروني (المتوفى 1048م) في كتابه «الجماهر في معرفة الجواهر» جاء في وصفها التالي:
«واخبرني أحد أهل بغداد أن الغواصين قد استحدثوا في هذه الأيام للغوص طريقة زالت بها مشقة إمساك النفس وتمكنوا من التردد في البحر من الضحوة إلى العصر وما شاؤا وبحسب محبة المكري إياهم وتوفره عليهم وهى آلة من جلود يدخلونها إلى أسفل صدورهم ثم يشدونها عند الشراسيف شدا وثيقا ثم يغوصون ويتنفسون فيها من الهواء الذي داخلها ولابد في هذا من ثقل عظيم يجذبه مع ذلك الهواء إلى أسفل ويمسكه في القرار واصرف منه أن يوصل بأعالي تلك الآلة بإزاء الهامة بربخ من جلد على هيئة الكم مستوثق من دروزه بالشمع والقير وطوله بقدر عمق ما يغوص فيه ويوصل رأس البربخ بجفنة واسعة من ثقبة في أسفلها ويعلق في حافتها زق أو زقاق منفوخة يدوم بها طفوها فيجرى نفسه في تجويف البربخ جذبا وإرسالا ما شاء مدة اللبث في الماء ولو أياما، ويكون الثقل الراسب به أقل مقدارا لحصول الطريق للهواء ينحصر به واللّه أعلم».
تطور طرق الغوص (2)
الحلقة الثانية
في الحلقة السابقة تناولنا أفكارا محورية تناولها الكتاب في القديم، واستمر بعض منها بصورة متطورة، بقي علينا أن نصف الصورة التي بقت متعارفا عليها حتى المنتصف القرن السابق وهي وجود الغائص (الغيص) ومساعده (السيب).
5 - وجود الغائص ومساعده:
أقدم ذكرا موثقا لطريقة الغوص بوجود غائص ومساعد له يمسكه بحبل حتى يخرجه من قاع البحر. كان عند يحيى بن ماسويه (المتوفى عام 857م) حيث ذكر في باب صفة الغواصين والغاصة:
«الغاصة يركب منهم السفينة ما بين الستة نفر إلى اثني عشر رجلا نصفهم غاصة، ونصفهم يمسكون الحبال على الغاصة، كل رجل لرجل، وإنما يستأجرهم التاجر مشاهرة، وفي كل سفينة أمين من قبل التاجر، ولهم حبال من كتان طولها ما بين العشرين ذراعا إلى الخمسين».
ويلاحظ أن ابن ماسويه حدد ثلاثة من العاملون على السفينة وهم الغاصة (الغيص) ومساعديهم (أي السيوب) وأمين من قبل التاجر. وهذه الطريقة استمرت حتى نهاية صنعة الغوص في القرن المنصرم، إلا أنه بسبب وجود السفن الكبيرة وغزو المناطق العميقة من البحار كان لابد من حدوث تطوير لهذا النظام، فكثر أفراد طاقم السفينة وكثرت الأدوات التي يستخدمها الغاصة، وسنلخص فيما يلي تفاصيل الغوص منذ القرن التاسع عشر حتى نهايته في القرن العشرين.
العاملون في مهنة الغوص
يمكن تقسيم الأفراد العاملين في مهنة صيد اللؤلؤ إلى نصفين: الممولون والمشتغلون. فالصنف الأول يوفر الأموال اللازمة لإعاشة المشتغلين عندما يذهبون إلى البحر ويتركون عوائلهم خلفهم، بينما يعمل الصنف الثاني لتوفير الدخل اللازم لتسديد القروض المقدمة من الممولين وتحقيق أرباح أخرى. ويسمى الممول بـ «المسقم» أو «التاجر» وهو الذي يدفع الأموال للنواخذة (أو أصحاب السفينة في حالة كونهم غير نواخذة)، فصاحب السفينة قد تكون لديه الأموال اللازمة وقد يقترض هذه الأموال من المسقم بفوائد تترواح من 10 في المئة - 25 في المئة. ويسمى المشتغلون فيها عموما بـ»الغواويص» ومفردها «غوّاص» فكما هو معروف فإن العملية كلها تسمى «الغوص» إلا أن هذه تسمية عامة، فإذا أردنا التخصيص فهناك عدة مسميات لطاقم سفينة الغوص وهم كالتالي:
1 - النوخذة : وهو الربان المسئول عن السفينة.
2 - الجعدي: الشخص الذي يحل محل النوخذة في السفينة.
3 - المجدمي: رئيس البحارة، وهو المسئول عن العمل في السفينة، وجميع السفن الكبيرة يكون فيها المجدمي.
4 - النهام: المطرب البحري وغالبا ما يكون موجودا في السفن الكبيرة.
5 - الغيص: الشخص الذي يغوص في البحر لجمع المحار.
6 - السيب: هو الشخص الذي يسحب الغيص من قاع البحر.
7 - الجنان: وهو الشخص المنوط به تنظيم حبل «الخراب» وطيه في المكان المخصص له في «الخن» وهي عملية شاقة تحتاج إلى دراية وخبرة.
8 - راعي الشيرة: وهو أحد الذين لهم دراية وخبرة وقوة تحمل في تخليص المرساة من القاع في حالة وجود ما يعيقها من أحجار وشعب مرجانية وخلافه.
9 - الرضيف: هم الصبيان الذين يقومون بالأعمال الخفيفة، وللتدرب على العمل.
10 - التباب: صبي صغير يسمونه يخدم من في السفينة، ويتدرب على العمل في البحر.
11 - العزال: وهو غيص يتفق مع أحد السيوب في البر على أن يركب الغوص مع أحد النواخذه بحيث يعزل ما يحصلان عليه من محار عن باقي المحار الذي يجمعه البحارة.
أدوات الغواص
قبل وصف عملية الغوص يتوجب علينا إعطاء تعريفات لأدوات الغواص وهي كالتالي:
1 - الفطام: قطعة صغيرة تصنع من عظام السلاحف طولها نحو إصبع، وللفطام فتحة يضعها الغائص على أنفه لمنع تسرب الهواء ودخول الماء.
2 - الديين: وعاء من الحبال الرفيعة كهيئة الغربال وله من الأعلى قوس من الخشب يضع الغائص المحار بداخله.
3 - الخبط: وعاء صغير من الجلد يوضع على أطراف الأصابع، يضعه الغائص أحيانا لحفظ أصابعه من شر الجروح التي تحدث له من بعض أنواع المحار.
4 - الحجر: قطعة من الرصاص تساعد الغائص على النزول إلى قاع البحر بواسطة ثقلها.
5 - الشمشول: هو سروال قصير أسود اللون يلبسه الغائص، لمساعدته على حرية الحركة والسباحة.
6 - لباس الغوص: من القماش الخفيف أسود اللون يشبه البنطلون، وقميصه له أكمام طويلة يلبسه الغائص ليتجنب شر «الدول» أي قنديل البحر.
7 - الأيدة: حبل طويل ليسحب السيب الغائض من قاع البحر بواسطته وطوله 72 مترا إلى 81 مترا.
8 - الزيبل: حبل طويل يسحب السيب بواسطته الحجر من قاع البحر بعد وصول الغائص إلى قاع البحر وطوله نحو 36 مترا.
وصف عملية الغوص
في الصباح الباكر وبعد طلوع الشمس يبدأ الغواصون العمل، و يكون الغواص لابسا «الشمشول» أو مؤتزرا بالإزار في حالة ما إذا كان البحر خاليا من «الدول» الذي يحتك بجسم الغائص وتسبب له التهابات مؤلمة، إما إذا كان «الدول» منتشر في «الهير» المراد الغوص فيه فإن الغاصة يقومون بإرتداء لباس الغوص المذكور آنفا. بعد أن يلبس الغائص ثياب الغوص ينزل إلى البحر ويمسك بحبل قصير اسمه (القلطة) مربوط بأحد مجاديف السفينة ويضع الديين على رقبته ويضع الفطام على أنفه ثم يضع الزيبل (وهو الحبل الذي يربط به الحجر لإنزال الغائص إلى قاع البحر) في رجله، وكذلك الأيدة حيث يضعه الغائص ليجره السيب بواسطته وهنا يكون الغائص جاهزا للغوص.
عندما يصل الغيص إلى قاع البحر يسحب السيب الزيبل حيث لم يعد الغيص بحاجة إليه، ويأخذ الغيص في اقتلاع المحار بيديه وتجميعه في الديين، وقبل أن ينتهي نفس الغيص يحرك حبل الأيدة ويكون السيب آنذاك متيقظا فيجره حالا بأقصى قوته، ويضع الغيص الديين في يده ويمسك حبل الأيدة في اليد الأخرى حتى يخرج إلى سطح البحر قرب السفينة.
نظام القحمات
يتبع في الغوص نظام الدور للغاصة، ويسمى هذا النظام بنظام «القحمة» إذ إن الغاصة يقسّمون إلى مجموعات وكل مجموعة تغطس عدة غطسات، مجموع عدة الغطسات هذه يسمى (قحمة أو أقحمة) وكل غطسة من تلك الغطسات تسمى (تبة)، وفي الغوص الكبير عادة ما تكون القحمة بها عشر تبات. وما بين (تبة) وأخرى يستريح الغيص نحو خمس دقائق ثم يعود ثانية للغوص وهكذا حتى تنتهي نوبته (قحمته) بأن يغوص عشر مرات، والمرة الواحدة من الغوص تسمي (تبة). هكذا كان عمل الغيص طوال اليوم حتى قبل غروب الشمس بقليل عندئذ ينتهي العمل الشاق المتعب، والمحفوف بالمخاطر ويظل يعمل في الغوص مدة الغوص كله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق